هذا السؤال قبل أن يكون سؤالاً طبّيّاً يُعتبر سؤالاً فلسفيّاً. رغم أنّ الإستاطيقا أو علم الجماليّات أصبح موضع الاهتمام تحديداً في القرن العشرين، غير أنّه ومن زمن أفلاطون، عُني بتعريف الجماليّات وقُدّمت إجابات كوجود التناسب في الموضوع والقدرة على إيجاد الملذّات والشعور الرائق والسكينة والسرور في المخاطب كتعاريف للجمال، وإن كانت هذه التعاريف نفسها بحاجة إلى إيضاحات أكثر. في الوقت الحاضر، لا تسعى الفلسفة وراء تقديم تعريف محدّد ونهائيّ للجمال. يشير كانت في تعريفه للجمال إلى خلوده، أي يجب أن يبقى الجمال الحقيقيّ جذّاباً على مرّ الزمن ومع وجود تغييرات تطرأ على الموضات والأذواق ولا تتأثّر جاذبيّته بالموضات والتغييرات الثقافيّة للآخرين.

في عصر الحداثة، اعتبروا الجمال تحت تأثير علاقة الفرد بالموضوع، وعدّوا التأثيرات الثقافيّة والاقتصاديّة والدعايات مؤثّرة في إدراك الجمال وتعريفه. بحيث نرى أنّه وبفعل الدعايات العالميّة، قد توحّدت معايير الجمال وتصاعدت الموضة  في الأذواق حتّى في الشرائح غير العامّيّة.

 

 

 

يقول هربرت ريد بأنّ الجمال عبارة عن الشعور بتحديد العلاقات الشيّقة التي تؤثّر على الإنسان في مواجهته للعالم المحيط به.

zibayi-chist1

يقول أرسطو ردّاً على السؤال القائل بأنّه لماذا يميل البشر إلى الجمال الجسديّ: لا أحد يستطيع طرح هذا السؤال إلّا إذا كان أعمى. وببساطة، يعتبر النزوع إلى الجمال شيئاً لا يحتاج إلى سبب وإيضاح. وبعبارة أخرى، لعلّ الجمال هو كلّ ما نعجب به. على أيّ حال، فإنّ النزعة إلى الجمال تبلغ درجة يستعمل الناس في بعض القبائل القاطنة بصحراء كالاهاري، الدهون حتّى في فترة المجاعة، من أجل تجميل بشرتهم. وفي الولايات المتّحدة، تبلغ الأموال التي تُصرف على أعمال التجميل، أكثر ممّا يُخصَّص للخدمات الاجتماعيّة والدراسة. نحن نعلم جميعاً أنّ الجمال أمر مطلوب ومرغوب فيه.

zibay-chist2

يحتمل أن يكون الاهتمام بالجمال الجسديّ سواء في الأعضاء أو في الوجه، ينشأ من آليّة طبيعيّة تساعد على التكاثر وبقاء النسل.

 

zibayi-chiste3

وتجعل هذه الآليّة من مولود صغير وعاجز، يبدو في نظرنا جميلاً ومحبّباً لكي نبادر إلى حمايته ورعايته أو أنّ التزاوج يتمّ مع زوج جميل من حيث المظهر الخارجيّ (ممّا يدلّ على صحّته وقدرته على التكاثر جيّداً) حتّى لا تضيع القدرة الجنسيّة إلى جانب زوج لا يستطيع المساهمة في التكاثر ولعلّ ذلك هو السبب في أنّه ومع وجود موضات متنوّعة وأذواق متباينة في الثقافات، تسحر العيون الكبيرة، والشعر اللامع، والبشرة الملساء والناعمة ودون تجاعيد أو نمش أو نحافة الخصر بالنسبة للمرأة، والصدور المفتولة والعضليّة بالنسبة للرجل.

zobayichist3

 

 

وفي الحقيقة، تُعدّ هذه العوامل من دلائل الصحّة الشخصيّة وترشد الطبيعة الأشخاص عن هذا الطريق، إلى اختيار أزواج تناسبهم للتزاوج والتكاثر وهم متمتّعون بحظوظ أكثر. وفي الواقع، فُطر الإنسان على هذا الميل إلى الجمال وإنّه من السبل التي تساعد الاستمرار في الحياة. بطبيعة الحال، كانت هذه الآليّة على جودة عملها، مصحوبة بأخطاء ومنذ إنشاء الحضارة وخصوصاً في الزمن المعاصر، فقد تمّ التلاعب بهذه الآليّة إلى درجة فقدت قيمتها في التشخيص والتي كانت تتميّز بها في الماضي. النقاط المذكورة أعلاه قد توضّح جزءاً من القضيّة فقط ولكن على أيّ حال، لا يبدو أن يكون صحيحاً أنّ الجمال والنزوع إليه ظاهرة ثقافيّة وأنّ الإعلان والدعاية من جذورهما الرئيسيّة. فمع أنّ الموضة والدعاية من الأمور المؤثّرة، غير أنّ الجمال يتجذّر في النفس البشريّة.

zibayi-chist3

تناوُل جذور الجماليّة وعلاقتها بجمال الوجه هو ممّا لا يستوعبه هذا الكتاب. على سبيل المثال، فإنّ الإجابة عن أنّه لماذا يؤدّي كبر حجم الأنف إلى تقليل الجمال، ليست بالأمر الهيّن. ولكن منذ العصور التي سعى فيها الفنّانون الرسّامون والنحّاتون من مثل ليوناردو دا فينشي إلى تصوير الوجه وأعضاء الجسم البشريّ تصويراً واقعيّاً، حسبوا النسب بين مختلف أجزاء الوجه وحتّى الجسم البشري؛ كنسبة ۳/۱ في الوجه وغيرها.

zobayi9

 

رغم أنّ انطباق هذه النسب على وجه الشخص يساعد على أن يكون أكثر جمالاً لكنّ جمال الوجه لا يقتصر فقط على مراعاة هذه النسب الهندسيّة. يتوقّف الوجه الجميل على نتوءات الخدّين، والذقن، وزوايا الفكّين، ونوعيّة وتوزّع الأنسجة الليّنة والدهون في الوجه، وشكل الشفتين، ونموّ الحاجبين، والأهداب، وشكل الأسنان ولونها، إلخ.. أيضاً. إنّ العامل الآخر الذي يحتلّ مكانة هامّة للغاية، هو البشرة من حيث جودتها العامّة، لأنّها تشكّل الغطاء النهائيّ لعظام الوجه وربّما تؤدّي البشرة السميكة إلى أن لا يبدو الوجه الذي يتميّز من بقيّة الجوانب بمعايير الجمال، جميلاً وعلى العكس من ذلك، تحول البشرة الجميلة دون الاهتمام بالعيوب العظميّة البسيطة للوجه.

zibayi-soorat

 

العامل المهمّ الآخر الذي كثيراً ما يتجاهله الناس هو دور عضلات الوجه (الميميك) التي تتأثّر إلى حدّ كبير بالوضع الروحيّ والعاطفيّ للشخص. لا بدّ أنكّ انتبهت إلى أنّه حينما لست في المزاج المناسب أو تكون مرهقاً وعصبيّاً، لا يعود يتميّز وجهك بما كان يتميّز به من البهجة في السابق وكذلك حينما لا تراعي حمية غذائيّة مناسبة. هذا التغيير في الجمال يرجع في معظمه إلى وظيفة العضلات الدقيقة الموجودة في الوجه وتؤثّر في تعابير أجزاء الوجه كالحواجب والجبهة والخدود والعيون والشفاه وغيرها وتقع بشكل مباشر تحت تأثير الوضع النفسيّ والعاطفيّ للشخص. بحيث يمكن أحياناً استخدام مصطلح لغة الوجه. على سبيل المثال، إنّك تدرك بكلّ سهولة ما يعبّر عنه وجه كلّ شخص من الشعور بالغضب والقلق والخوف والفرح والاكتئاب إلخ.. في بعض الأحيان، تترك استمراريّة شعور ما خلال فترات ممتدّة، آثاراً طويلة الأمد في وجه الشخص قد تكون ناتجة من صلابة العضلات الخاصّة بذلك الشعور أو حدوث تجاعيد جلديّة ناشئة عن التقلّص المستمرّ للعضلات المتعلّقة بذلك الشعور، ممّا يمكن من خلاله تحديد شخصيّة الفرد عند النظرة الأولى إلى حدّ ما.

 

Comments

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

*
*

تنسيق الأعمال والتشاور في شخص

22725195 - 9821+ الاتصال بنا